مدرسة و خانقاة و ضريح الظاهر برقوق
(786-788هـ/1384-1386م)
بشارع المعز لدين الله (بين القصرين)
أثر رقم (187)
أقام هذه المجموعة المكونة من مدرسة و خانقاة و ضريح السلطان الظاهر برقوق بن أنس (أنص) مؤسس دولة المماليك الجراكسة (788هـ-1386م)، وتقع بشارع المعز لدين الله على يسار الذاهب إلى باب الفتوح، وتعتبر من الأمثلة الفريدة لمنشأة تجمع فى كتلة واحدة الثلاثة عناصر السابق ذكرها.
وتعد هذه المدرسة أولى المنشأت المعمارية فى دولة المماليك الجراكسة، وكان بموضعها قبل إنشائها فندق يعرف بخان الزكاة كان مملوكا لورثة الناصر محمد بن قلاوون، ففى 12رجب عام (786هـ/1384م) اشتراه منهم وعهد إلى الأمير جركس الخليل أمير أخور بالأشراف على العمارة، وقد وضع حجر الأساس لأنشاء مدرسة وخانقاة عرفت " بالمدرسة و الخانقاة البرقوقية" يوم الخميس أوائل شوال عام (786هـ/1384م)، وتم الافتتاح يوم الخميس 12رجب عام (788هـ/1386م) حيث فرشت المدرسة بالحصر العبدانى والأبسطة و العمل الشريف، وأقيمت فيها أول صلاة جمعة 10 رمضان (788هـ/1386م).
مواضيع ذات صلة:
وتحفظ لنا هذه المنشأة قيمة حضارية شديدة الأهمية، حيث عرفنا من خلال المصادر اسم مهندس "المدرسة والخانقاه البرقوقية "، وهو شهاب الدين أحمد بن الطولونى، حيث إنه لم يصلنا من أسماء المهندسين الذين شادوا تلك المنشأت المعمارية العظيمة إلا النذر اليسير، وقد بلغ من إعجاب السلطان برقوق بهذا المهندس أن صاهره فى ابنته.
وصف المنشأة :
تعتبر الواجهة الجنوبية الشرقية (الشرقية ) هى الواجهة الرئيسة لهذه المنشأة، و تطل على الخارج بمداميك ملونة وفق نظام المشهر (تناوب اللونين الأحمر والأبيض)، وتبدأ هذه الواجهة العالية المبنية بالحجر الجيرى من طرفها الجنوبى بالمدخل الرئيس الذى يتوصل له من سلم ذو مرقيين يؤدى إلى بسطة عريضة وهو عبارة عن فتحة باب يغلق عليها مصراعان من أنفس المصاريع، ويعلو هذه الفتحة عتب مستقيم يعلوه عقد عاتق وكلاهما من صنجات معشقة من النوع النباتي المركب ويحصران فيما بينهما نفيس، ويعلو هذا التكوين شباك مستدير مفرغ بالنحاس يحيط به صنجات فى تكوين إشعاعى .
ويتوج حجر المدخل طاقية مقرنصة عبارة عقد مدائنى ثلاثى الفصوص تشغله حطات من المقرنصات المتصاعدة لأعلى حتى نهاية الطاقية، ويمتاز تلبيس الرخام بهذا المدخل بأن نماذجه قليلة ، وهى هنا مقتبسة من مدخل مسجد أصلم السلحدار، وتمتاز كتلة المدخل كذلك بالبروز عن باقي اجزاء الواجهة، ربما يرجع ذلك إلى رغبة المعمار فى إظهار مبناه وسط ما يحيط به من مدارس أخرى كمدرسة قلاوون، والمدرسة الناصرية جهة الجنوب، ومدرسة الحديث الكاملية من جهة الشمال.
وتتكون باقى أجزاء الواجهة من أربعة دخلات فتحت بها صفين من النوافذ ، يتكون الصف الأول من شبابيك مستطيلة والصف العلوى من نوافذ قندلية مطولة، غطيت بمصاريع الخشب المجمع بأشكال هندسية رائعة، وغطاء الشبابيك بمصاريع خشبية بدل من الجصية نماذجها محدودة، أقدمها فى سبيل الناصر محمد بن قلاوون بالنحاسين، ثم فى جامع ألماس الحاجب ومدرسة بيدمر البدرى، تمثل الدخلتان الكبيرتان- التى تلى كل منهما كتلة المدخل – واجهة إيوان القبلة، بينما تمثل الدخلتان الصغيرتان التاليتان واجهة المدفن، يشمل الطرف الشرقى من هذه الواجهة المئذنة التى تتكون من ثلاثة طوابق، والتى امتازت بتلبيس الرخام حول البدنها المثمن الثانى "داخل الدوائر" ، " وهو أقدم النماذج لتلبيس الرخام فى بدن المنارات بمصر. فقد سبقه تلبيس الحجر الملون فى المنارات السابقة لها "، ويتوج الواجهة طراز كتابى فيه أسماء المنشئ وألقابه وتاريخ الفراغ من العمارة .
ويؤدى المدخل الرئيسى إلى دركاة مربعة غطيت بقبة صغيرة مثمنة، لبست بالحجر الأحمر والأبيض، ويؤدى الضلع الجنوبى من هذه الدركاه إلى دهليز فرشت أرضيته بدوائر من الرخام الملون ،ويفضى هذا الدهليز إلى صجن المدرسة، الذى فتحت به أربعة أبواب تزدان أعتابها بالرخام الملبس بالحجر، "ويعلو كل باب شباك صغير من النحاس المفرغ بأشكال هندسية"، يقول عنها العلامة حسن عبد الوهاب "لعلها النموذج الثالث لشبابيك النحاس المصبوب، إذ الأول فى قبة الصالح نجم الدين، والثانى فى المدرسة الطيبرسية بالأزهر".
وتتكون المدرسة من صحن أوسط مكشوف تتوسطه فسقية و تحيط به، أربعة أواوين أكبرها إيوان القبلة، على غرار تخطيط المدارس السائد بدولتى المماليك البحرية والجراكسة، أهم هذه الأواوين هو إيوان القبلة، وقد فرشت أرضيته بالرخام، القسم الأمامى منه على هيئة محاريب مقتبسة من مثيلتها فى خانقاة بيبرس الجاشنكير ،وكلاهما مقتبس من فكرة الحصر الفاطمية ذات المحاريب التى انتشرت فيما بعد فى السجاد".
وقد أكد المعمار على جدار القبلة باستخدام الرخام فى التكسية بطريقة مغايرة عن تكسيات الحوائط الجانبية بإيوان القبلة، ويتوسط هذا الجدار المحراب " وهو من أدق أعمال الرخام فى هذه المدرسة، فقد لبس بالرخام الأسود على شكل شرافات فى أرضية بيضاء بها فصوص صدفية وفيروزية وحمراء"، أما المنبر فهو على يسار الواقف، أمام المحراب، وهو منبر تسوده البساطة وهو من أعمال السلطان أبو سعيد جقمق كما هو منقوش عليه، وبالضلع الغربى من هذا الإيوان دكة المبلغ الرخامية، كما يوجد به كرسى المصحف طعمت جوانبه بحشوات من السن ملبسة فى الخشب.
وينفسم إيوان القبلة إلى ثلاثة أروقة أوسطها أكبرها، أما الرواقان الجانبيان فيشكل كل منهما سدلة لطيفة، وتتكون كل بائكة من البائكتبن اللتين تشكلان هذه الأروقة من عمودين ضخمين من الجرانيت، ويسقف القسم الأوسط من إيوان القبلة سقف مستو " يتوسطه صرة مخوصة ، وقد حلى بنقوش مذهبة ، وهو من أنفس السقوف ، وقد حاكاه فيما بعد الأشرف برسباى فى سقف الأيوان الغربى بمدرسة الأشرفية " ، أما الرواقان الجانبيان فسقفهما على هيئة قصع بمقرنصات.
وأما باقى الأواوين الثلاثة الأخرى ( الجنوبى و الغربى و الشمالى) فجميعها مكونة من مساحة مستطيلة مغطاه بقبو حجرى مدبب، وتشرف جميع الأواوين على الصحن بعقد مدبب، وقد سادت واجهتها المطلة على الصحن بالبساطة وقلة الزخرفة، وقد ارتبطت الواجهات الأربع بشريط قرآني يحيط بالصحن، وينتهى من أعلى بكورنيش متوج بشرافات مورقة، وأرضية الأواوين مفروشة بالرخام الملون وكذلك صحن الجامع غطى أرضيته بالرخام الملون الجميل .
ويشغل الضريح ممايلى الركن الجنوبى الشرقى من المنشأة ككل ويتوصل إليه من باب على الصحن يؤدى إلى المدرسة ثم إليه، وهو عبارة عن قبة غنية بزخارف فى الوزرات الرخامية، وفى المحراب والنقوش، وقد ارتفعت الوزرة فى جدرانها الأربعة إلى عقد المحراب، ويتوسطها قبر دفن فيه ابو المنشئ وأولاده فاطمة أم خوند و خوند شيرين وزوجته، أما القبة فقد أنشأتها لجنة حفظ الأثار العربية (1311هـ/1893م )، واحتفظت بمقرنصاها القديم المشحون بالزخارف الملونة والمذهبة.
المصادر:
- مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية وإحياء تراث العمارة الأسلامية: اسس التصميم المعماري والتخطيط الحضري في العصور الاسلامية المختلفة بالعاصمة القاهرة، منظمة العواصم والمدن الاسلامية، 1411 هـ / 1990 م .
- حسن عبد الوهاب : تاريخ المساجد الاثرية ،ج1 ، الهيئة المصرية للكتاب – القاهرة ، 1994م .
- محاضرات د. أحمد زكى عام 2010م
Post a Comment