هل كان الفتح العربى لمصر احتلالا؟
كانت مصر قبل الفتح العربى واقعة تحت حكم الدولة الرومانية ،هذه الدولة التى أذاقت المصريين أشد انواع العذاب، حيث انه بعد ان انتشرت المسيحية فى مصر اعتبرت الدولة الرومانية المسيحين خطرا فى المجتمع ، فعمدوا لاضطهاد معتنقيها بكل السبل حتى وصل هذا الاضطهاد لذروته فى عهد الامبراطور دقلديانوس إلي حد أن الكنيسة القبطية بدأت تقويمها المعروف " بتقويم الشهداء" بداية من توليته الحكم 284م .
وبالرغم من اعتراف الدولة الرومانية بالديانة المسيحية كدين رسمى لها إلا أنها سرعان ما اختلقت أزمة جديدة حول طبيعة المسيح فبعد أن عقد مجمع خلقيدونية 451 م عاد الأباطرة الرومان لتعسفهم القديم ضد مسيحين مصر بسبب هذا الخلاف المذهبي وتحولت مصر إلى الفوضى و الخراب الذي زاد بعد تولى هرقل للإمبراطورية الرومانية 610 م ، وما تبعه من تعينه لقيرس حاكما عليها ، الذي شهدت البلاد في عهده من أنواع التنكيل ما لم تشهده من قبل.
وفى ظل هذه اللأوضاع السيئة التى كانت تعم البلاد جاء الحكم الإسلامي مخلصا للمصريين من هذا الظلم، وأصبح المصريون تحت الحكم الإسلامي أمنين علي أنفسهم ودينهم ، أحرارا فى ممارسة شعائرهم الدينية دون أى خوف مقابل جزية يدفعها القادر منهم على أن يتم توفير الحماية الكاملة لهم ، لتشهد البلاد حضارة جديدة قريبة من منف حضارة مصر القديمة ، وأصبحت الفسطاط مركز الإشعاع للحضارة العربية الإسلامية ، وأخذت مصر تغير لغتها ودينها تدريجيا .
ولكن ماذا بعد !
ولكن ماذا بعد أن دخلت مصر فى حكم الخلافة الإسلامية 20 هـ / 641 م هل اقتصر دورها على أن تظل إحدى الدول التابعة للخلافة فحسب؟ فى الحقيقة لقد استعادت مصر استقلالها وريادتها الذى غاب عنها لقرابة الألف عام منذ سقوط عصر الأسرات الفرعونية هذا الاستقلال الذى تحقق على يدى الدولة الطولونية(254- 292هـ/ 868-905م) حيث كانت تابعة للخلافة العباسية تبعية اسمية وامتدت سيطرة مصر خارجها لتصل إلى الشام ، واستمر هذا الاستقلال و الصحوة المصرية فى عهد الدولة الإخشيدية ( 323- 358هـ / 935-969م) التى اعقبت الدولة الطولونية بفترة قصيرة.
وقد شهدت مصر مرحلة من أهم مراحلها فى عهد الدولة الفاطمية (358هـ - 969م / 567هـ -1171م) القادمة من تونس ، هذه الدولة التى أزالت الدولة الإخشيدية و أنشأت مدينة القاهرة لتنتقل إليها كعاصمة جديدة لإمبراطوريتها التى توسعت توسعا عظيما لتصبح لمصر السيطرة على شمال أفريقيا ( ليبيا ، تونس، الجزائر والمغرب ) ، الشام وجزيرة صقلية (التابعة لإيطاليا حاليا) .
وقد أعقب زوال الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبى تأسيس الدولة الأيوبية فى مصر (648-567هـ/1171-1350م) التى أصبحت بداية من عهد هذه الدولة الدرع الحامى للعالم الإسلامى ، فمن مصر خرجت الضربات المتلاحقة لصلاح الدين ضد الصلبيين فى الشام تلك الضربات التى أدت إلى النصر الساحق للجيش الأيوبى على الصلبيين فى موقعة حطين 583هـ/ 1187م التى تبعها بفترة قليلة استرداد المسلمين لبيت المقدس، ثم ما أعقب ذلك من حملات صليبية استهدفت أغلبها مصر بالتحديد التى تصدت لكل هذه الحملات التى عادت بالهزيمة وخيبة الأمال إلى بلدانها فى أوربا.
وبعد أن ورثت دولة المماليك الدولة الأيوبية ،كانت التطورات السياسية قد عصفت بالمنطقة الإسلامية حيث استولى المغول على بغداد عاصمة الخلافة العباسية 656 هـ / 1258م، واتجهت هذه القوات لتستولى على الشام فى طريقها إلى مصر التى تصدت لقوات المغول الغاشمة ويستطيع الجيش المملوكى فى موقعة عين جالوت 658 هـ / 1260م هزيمة المغول وطردهم من بلاد الشام ، ويظهر بذلك دور مصر مرة أخرى كحامية للعالم الأسلامى من كل الأخطار المحيطة به.
وفى عهد السلطان المملوكى الظاهر بيبرس 659-676هـ /1260- 1277م أصبحت مصر بشكل رسمى تمثل الدولة الأم للعالم الإسلامى أجمع وذلك بعد أن نقل مقر الخلافة العباسية إلى القاهرة التى أصبحت عاصمة الخلافة الإسلامية 659 هـ/ 1261 م حتى استيلاء العثمانين عليها 923 هـ / 1517م ، وقد ترتب على نقل الخلافة إلى القاهرة أن أصبحت جميع الدول الإسلامية تأخذ شرعيتها من مباركة الخليفة العباسى و السلطان المملوكى فى القاهرة .
وبعد هذا العرض لأحوال مصر قبل الفتح الإسلامى من ظلم وهوان وبعد الفتح الإسلامى من استقلال وريادة للعالم الإسلامى أرجو أن أكون قد أجبت على من فى نفوسهم حقد وغل تجاه الفتوحات الأسلامية .
المصادر:
- جرجي زيدان : تاريخ مصر الحديث من الفتح الاسلامي الى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم, , الجزء الاول, الطبعة الثانية, مطبعة الهلال بالفجالة بمصر سنة 1911.
- جلال الدين السيوطي: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ،دار إحياء الكتب العربية، 1967م.
- جمال الدين الشيال: تاريخ مصر الإسلامية ، مج 2،دار المعارف الإسكندرية،1967م
- ألفريد بتلر: فتح العرب لمصر ، مكتبة مدبولى، 1996م
- جمال عبد الهادي : فتح مصر، دار الوفاء، 1999م
- السيد عبد العزيز سالم و سحر السيد عبد العزيز سالم : تاريخ مصر الإسلامية حتى نهاية العصر الفاطمي ، مطبعة شباب الجامعة،2002م
- محمد محمد مرسي الشيخ : تاريخ مصر الإسلامية ،المكتبة المصرية ، ٢٠٠٤م
- زكي محمد حسن : مصر والحضارة الإسلامية، (محاضرة ضمن
سلسلة محاضرات نظمها الاتحاد المصري الإنجليزي عن مصر عام١٩٤٢م) ، مؤسسة
هنداوي عام ٢٠١٤م
Post a Comment