الدركاه في العمارة الإسلامية
تعد الدركاه عنصرا مهما من عناصر العمارة الإسلامية حيث ظهرت بكثرة في العمارة الدينية والحربية والمدنية، وذلك نظرا لأهميتهما وتنوع وظائفها، وفيما يلي عرض لوظائف الدركاه في العمارة الإسلامية وأجمل نماذجها في الفن الإسلامي .
1- تعريف الدركاه
2- وظيفة الدركاه في العمارة الإسلامية
- الدركاه في العمارة الدفاعية
- الدركاه في العمارة السكنية
- الدركاه في العمارة الدينية
3- المراجع
تعريف الدركاه:
الدرك والدركة (بتشديد الدال وفتحها) أي التبعة أو المنزلة السفلى، وهي ضد الرجة أو المنزلة العليا، ومنها دركات النار ودرجات الجنة، والدركة جمع درك بمعنى حلقة الوتر والسير الموصل به، ووصلة الحبل أو الحزام القصير، والدركاه (بتشديد الدال وفتحها) كلمة فارسية معناها العتبة والبلاط، وديوان القصر.
وأما عن المصطلح المعماري الأثري فالدركاه في العمارة الإسلامية هي لفظ فارسي معرب يتكون من مقطعين أحدهما "در" بمعى باب والآخر "كاه" بمعنى محل، وبهذا التعريف يصبح معنى الدركاه باب المحل، ويقصد بها الساحة الصغيرة التي تلي المدخل وتؤدي إلى الدهليز أو الممر المنكسر الذي يفضي إلى داخل المبنى.
وظيفة الدركاه في العمارة الإسلامية:
وقد تعدد وتنوع الدور الوظيفي للدركاه في العمارة الإسلامية، وذلك بحسب نوعية تلك العمائر التي تقع فيها حيث ظهرت الدركاه في العمارة الدفاعية، والعمارة السكنية، والعمارة الدينية:
الدركاه في العمارة الدفاعية:
وكانت الدركاه العمارة الدفاعية تمثل نوع من الحماية والدفاع عن تلك المنشآت كالقلاع والحصون والأبراج والقصبات، حيث يكون الغرض منها في العمارة الحربية هو إعاقة المهاجمين ومن أمثلة ذلك الدركاه المستطيلة التي كانت تلي فتحة باب برج الإمام (باب القرافة) بالقسم الشمالي الدفاعي من قلعة الجبل بالقاهرة.
الدركاه في العمارة السكنية:
ويلاحظ أن من أهم استخدامات الدركاه كنظام معماري إسلامي هو حجز ما يجري داخل البناء عن أنظار ما بخارجه بالأخص في العمارة المدنية كالبيوت من منازل وقصور، حتى لا يتطلع من بخارج البيت على من بالداخل ولاسيما النساء ومن نماذجها دور مدينة الفسطاط التي كشف عنها في حفائر علي بهجت وألبير جبرييل في المدينة عام (1331ھ/ 1932م)، ومن نماذج الدركاه في العمارة السكنية في العصر المملوكي.
والدركاة المربعة مما يلي مدخل قصر الأمير آلين الحسامي (693ھ/ 1393م) بشارع باب الوزير بجوار مدرسة خاير بك، ودركاة مدخل قصر الأمير بشتاك الناصري بالجمالية بشارع المعز لدين الله،أما عن نماذج الدركاه في العمارة السكنية في العصر العثماني بمصر منزل آمنة بنت سالم (947ھ/ 1540م)، وبيت الكريدلية (1041ھ/ 1630م) واللذان يقعان بجوار جامع أحمد بن وطولون، وأيضا بيت السحيمي بحارة الدرب الأصفر المتفرعة من شارع المعز لدين الله.
الدركاه في العمارة الدينية:
وأما بالنسبة للعمارة الدينية فإنه مع النظام التقليدي لعمارة المساجد الإسلامية والتي تتكون من صحن يتعامد عليه أربعة أروقة فإنه لم يكن هناك حاجة لوجود مدخل منكسر (باشورة) حيث كان يتم بلوغ داخل المسجد مباشرة، ولكن مع ظهور نظام المدارس الإسلامية بعمارتها التي تمتاز بنظام الصحن الذي يتعامد عليه أربعة أواوين فكان هناك الحاجة لوجود المدخل المنكسر من خلال دركاة تلي فتحة الباب مباشرة وتؤدي هذه الدركاه إلى دهليز يفضي منه إلى صحن المدرسة أو الدرقاعة –كما كان شائعا في المدارس بنهاية العصر المملوكي الجركسي بمصر-.
وكان الغرض من هذا المدخل المنكسر هو إبعاد الضوضاء الخارجية عن داخل المدرسة، وذلك لتوفير الهدوء للمتعلمين بداخلها ليتمكنوا من تحصيل العلم، وقد ظهرت هذه المدارس الدينية في مصر وبالتحديد في مدينة الإسكندرية في أواخر العصر الفاطمي حيث أقيمت بها أربعة مدارس، ولكن لم تصل إلينا هذه المدارس وبالتالي لم نتعرف على عمارتها، ولم نعرف هل استخدمت الدركاوات بها أم لا.
وقد ظهرت أوائل نماذج المدخل المنكسر والدركاه في العمارة الإسلامية بمصر بمدارس العصر الأيوبي والتي عني سلاطين هذه الدولة بإنشائها لنشر المذهب السني، ومثال ذلك المدخل المنكسر بالمدرسة الكاملية (622ھ/ 1243م)، والمدارس الصالحية النجمية (641ھ/ 1243م)، حيث ضمت مدخلا منكسرا وتقع هذه المدارس بشارع المعز لدين الله، وقد ظهر بضريح الصالح نجم الدين أيوب الملحق بالمدارس الصالحية دركاه مربعة مغطاه بقبو يتم الوصول إليها من مدخل الضريح.
مثال للمدخل المنكسر |
وقد شاعت استخدام الدركاه في العمارة الإسلامية بشكل عام، وفي العمارة المملوكية بشكل خاص، سواء في العصر المملوكي البحري أو الجركسي، وكانت الدركاه عبارة عن منطقة مربعة أو مستطيلة ذات أرضية رخامية ملونة، تتصدرها مصطبة مفروشة بالرخام غالبا لجلوس الحارس أو الخادم، يغطيها سقف حجري مصلب أحيانا، أو خشبي من براطيم ذات مربوعات منقوشة مذهبة وملونة أحيانا أخرى، في أسفله إزار خشبي تزينه كتابات عربية إنشائية أو قرآنية أو دعائية، وتفتح عليها فوق باب المدخل نافذة صغيرة لإضائتها وتهويتها عند غلق الباب، ويفتح بأحد أضلاعها باب ثاني يفضي إلى الدهليز أو الممر المؤدي إلى الصحن.
وأما في العمارة الدينية في العصر المملوكي في مصر فقد كانت الدركاه أحد أهم عناصر التخطيط للمدارس الدينية وأحيانا في الجوامع، ولعل أهم مثال لها دركاه جامع السلطان حسن بالرميلة في مواجهة قلعة الجبل، حيث يلي مدخله العظيم والذي يعد أكبر وأعلى كتلة مدخل في تاريخ العمارة الإسلامية، دركاه مربعة الشكل، ويحيط بيها ثلاث دخلات من جهاتها الشرقية والجنوبية والغربية، وتغطي هذه الدخلات مقرنصات، وتغطي هذ الدركاه قبة ملبسة بالحجر محمولة على مقرنصات ذات دلايات.
ولعل أحد أهم ما يميز دركاه جامع السلطان حسن أنها تحوي بصدرها أي بضلعها الجنوبي الغربي (الجنوبي) مسطبة ضخمة، وكانت تستخدم لتدريس الطب لعشرة من طلاب العلم، ويفتح بضلعها الجنوبي الشرقي من خلال الدخلة بهذا الضلع باب متسع يودي إلى دهليز مغطى بأقبية يفضي إلى صحن الجامع، ويفتح بهذا الدهليز أبواب تؤدي إلى منافع الجامع، وقد استخدمت هذه الدركاه في صلاة الجماعة للمتأخرين، بالإضافة لدورها الأساسي كتمهيد للداخلين من الباب الرئيس حتى لا يكون الدخول مباشرة إلى الأواوين؛ ومن ثم عدم إعاقة العملية التعليمية.
ويعد العصر المملوكي الجركسي هو العصر الماسي للعمارة الإسلامية بمصر، وقد انعكس ذلك بالطبع على الدركاه وخصوصا بالعمائر الدينية، وفيما يلي عدد من أجمل النماذج للدركاة في العمارة الإسلامية:
تعد مدرسة وخانقاه الظاهر برقوق أولى المنشآت المعمارية في دولة المماليك الجراكسة، ويفضي مدخلها الرئيس إلى دركاة مربعة غطيت على غرار دركاه جامع السلطان حسن بقبة من ثمانية أضلاع ملبسة بالحجر الأحمر والأبيض، ويفتح بضلعها الشمالي الشرقي (الشمالي) باب يفضي إلى دهليز مستطيل فرشت أرضيته بدوائر من الرخام الملون يؤدي في نهايته إلى صحن المدرسة.
وأما عن دركاه جامع المؤيد شيخ بشارع المعز لدين الله (السكرية) (818- 820ھ/ 1415- 1417م)، فهي تقع مما يلي المدخل الرئيس الذي يشغل الطرف الشرقي من الواجهة الرئيسة الجنوبية الشرقية، فلها سقف شاهق عبارة عن قبو يتوسطه مصلبة حجرية، ويكتنف هذا القبوعقود مقرنصة، بكل منها تربيعة من الرخام مكتب بها آية الكرسي بالخط الكوفي المربع، وعلى يمين ويسار الدركاه بابان بهما بخارية وأشرطة نحاسية مكتوب بها اسم المؤيد شيخ، بحيث يفتح الباب الأيمن على الدهليز الذي فرشت أرضيته بالرخام، ويفض هذا الدهليز إلى باب بمؤخر الإيوان الجنوبي الشرقي (الشرقي)، بينما يؤدي الباب على يسار الدركاه إلى ضريح يغطيه قبة شاهقة مبنية بالحجر.
قبو دركاه جامع المؤيد شيخ |
وتعد دركاه جامع ومدرسة الغوري بشارع المعز لدين الله، وبالتحديد في نهاية شارع الغورية عند تقاطعه مع شارع الأزهر أحد أروع الدركاوات في العصر المملوكي الجركسي، بل ومن أجمل وأروع النماذج في تاريخ العمارة الإسلامية بشكل عام، وهي تلي المدخل الرئيس الذي يشغل الطرف الشرقي من الواجهة الرئيسة الجنوبية الشرقية، وهي عبارة عن دركاة مربعة فرشت أرضيتها برخام ذي رسوم دقيقة ملونة مقتبسة من أرضية الإيوان الشرقي لمسجد الأشرف برسباي بالأشرفية، ولها سقف مذهب وبصدرها مسطبة مفروشة ومؤزرة بالرخام الدقيق؛ ومكتوب بطرازها بالخط الكوفي المزهر المنزل بالمعجون الأسود في الرخام الأبيض: " بسم الله الرحمن الرحيم وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا صدق الله العظيم"، وعلى يسار هذه الدركاه باب يؤدي إلى دهليز به مزيرة غطيت بمقرنصات بسيطة ويظهر أنها وحيدة من نوعها.
دركاة المدخل بمدرسة الغوري نقلا عن حمادة الطيار |
وكان هذا عرض للدركاه في العمارة الإسلامية حيث إنها أحد هم عناصر التخطيط في مساقط العمائر الإسلامية سواء كانت دفاعية أو سكنية أو دينية وقد تعرض المقال لتعريف الدركاه لغويا ومعماريا، وعرض لوظائفها في العمائر الدفاعية والسكنية والدينية وأهم المنشآت التي ظهرت بها؛ حيث أرجو أن يكون هذا المقال قد أعطى القارئ ما يحتاجه عن هذا العنصر المعماري شديد الأهمية في العمارة الإسلامية.
المراجع:
أحمد محمد زكي أحمد:
آثار مصر الإسلامية، دار المعارف الجامعية.
تطور شكل الدركاه في تخطيطات العمائر العثمانية الدينية بمدينة القاهرة: "دراسة وصفية تحليلية مقارنة" (923- 1213ھ/ 1517- 1798م)، مجلة كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، العدد الثاني والستون، 2010م.
عاصم محمد رزق، معجم مصطلحات العمارة والفنون الإسلامية، الطبعة الأولى، مكتبة مدبولي، 2000.
عاصم محمد رزق، معجم مصطلحات العمارة والفنون الإسلامية، الطبعة الأولى، مكتبة مدبولي، 2000.
Post a Comment