المتابعون
Join on this site

كن من متابعي مدونتنا

الحمامات العامة في العمارة الإسلامية

الحمامات العامة في العمارة الإسلامية

   تمتلك العمارة الإسلامية كثير من المنشآت التي يمثل منها كل منحى من نواحي الحياة سواء الدينية أو المدنية أو التجارية، وقد تناول هذا المقال أحد أهم أنواع العمارة المدنية، وهي الحمامات العامة في العمارة الإسلامية، حيث تناول تعريف الحمامات، وأسس تصميم هذه الحمامات العامة في العصر الإسلامي بالإضافة إلى تخطيطها المعماري وتاريخها في مختلف العصور الإسلامية بداية من العصر الأموي حتى العصر العثمانين مما يعكس عظمة الحضارة الإسلامية التي تفوقت في شتى المجالات.

 محتويات المقال :

أولا: تعريف الحمامات:

   الحمام مذكر مشتق من الحميم وهو الماء الحار، والحميم والحميمة جميعا الماء الحار، وكل ما سخن قد حمم، والجمع حمامات، والاستحمام هو الاغتسال بالماء الحار، وقيل بأي ماء كان.

ثانيا: الحمامات قديما:

   وقد عرف بناء الحمامات العامة لغرض الاستحمام في مناطق الحضارات القديمة ولا سيما بحر إيجة منذ العصر البرونزي في الألف الثالث قبل الميلاد، ثم تطورت هذه الحمامات تطورا كبيرا خلال العصر الروماني، وازداد الاهتمام التزييني بها من الداخل والخارج باستخدام الفسيقساء (الموازيك) الثمينة، والرخام النادر والمعادن الموشاة بالذهب ولا زالت في روما بعض حمامات أباطرة الرومان مثل كراكلاود قلديانوس وغيرهما.


   وانحصرت الكتلة الرئيسة لعمارة الحمامات الرومانية في ثلاث قاعات مهمة أولاها باردة أو عادية عرفت باسم (Apodyterium)، وثانيتها دافئة عرفت باسم (Tepidarium)، وثالثتها وحدات إضافية أو ملحقة اختصت أولاها بخلع الملابس، واختصت ثانيتهما بالملابس الرياضية، واختصت ثالثتها بالندوات والمحاضرات، ومن كل هذه الوحدات الرئيسة والإضافية تكونت الكتلة البنائية للحمام الروماني.

ثالثا: أسس تصميم الحمامات العامة في العصر الإسلامي: 

يتكون الحمام في العصر الإسلامي عادة من ثلاثة عناصر رئيسة:
العنصر الأول: المشلح (حجرة خلع الملابس) وتغطى بقبة بها فتحات صغيرة يشغلها زجاج ملون، وعادة ما يتبادل المستحمون أطراف الحديث في هذه الحجرة.
العنصر الثاني: الحجرة الدافئة، وبها مساطب يجلس عليها المستحم لكي يتعود على حرارة الحمام.
العنصر الثالث: الحجرة الساخة, وفي هذه الحجرة أكثر من مغطس (المغطس عبارة عن حوض كبير مكسي بالرخام به ماء ساخن) فضلا عن وجود أماكن معدة للتدليك.


  أما طريقة الاستحمام بالحمامات العامة فتبدأ بدخول المرء حجرة يضع فيها ملابسه، ويعقد حول وسطه فوطة بسيطة ثم يسير في ممر يشعر فيه بوهج الحرارة التي تشتد شيئا فشيئا حتى تقوى عند اقترابه من الحجرة الثانية، وفور دخوله إليها يجد نفسه وسط سحابة من بخار ساخن معطر يخترق مسام جسمه، ويرقد على قطعة من القماش الصوفي، ويقترب منه خادم يلبس في يده قفازا أو يمسك بوطة من صوف ناعم، حيث يقوم هذا الخادم بتدليك الجسم بقطعة الصوفة هذه، حيث تؤدي هذه العملية إلى تخلص الجسم من الوساخات العالقة به على شكل خيوط سوداء.


   وبعد هذ العملية ينتقل المرء إلى حجرة أخرى يغتسل فيها بمياخ تأتي من عيني مياه إحدهما ساخنة، والأخرى باردة، ثم يرتدي قميصا ويعاود أدراجه إلى الغرفة الأولى ليستريح على أريكة، ويدخن نرجيلة (شيشة)، ويحتسي فجانا من القهوة بعد أن يقوم بدلك قدميه بحجر خفاف.


   وعندما ينوي المرء المغادرة من الحمام تكون ملابسه قد تعطرت بدخان خشب الصبر، وترشرأسه برغاوي صابون مقطر، وأما النساء فيستخدمن في نهاية حمامهن عجينة من السكر والليمونلنزع كل الشعر الزائد من جسمهن مع استهلاك المزيد من عطور وماء الورد.


   وعادة ما يكون الحمام في العمارة الإسلامية مخصصا لأحد الجنسين، أو يخص في يوم للرجال وآخر للنساء أو لخدمة الجنسين على التوالي، وعادة ما تذهب النساء في وقت متأخر وتوضع على مدخل الحمامقطعة قماش مطرزة أو سجادة لتنبيه الجمهور إلى حضورهن، ويستبدل على الفور خدم الحمام بخدم نساء.

رابعا:عمارة الحمامات العامة في العصر الإسلامي:

   امتازت عمارة الحمامات العامة في العصر الإسلامي بأنها كانت ذات أبواب منكسرة، وواجهات بغير فتحات من أجل حجب من بداخلها عن أعين المارة، وغطيت سقوفها بقباب كروية ضحلة ذات فتحات صغيرة معشقة في الغالب بزجاج أبيض غير شفاف، وأما حوائطها الداخلية فكانت من الحجر الجيري المغطى بتغشية جصية ذات زخارف نباتية وهندسية، وأشكال آدمية ومناظر طبيعية تمثل الاستحمام والطرب والصيد والبروج ونحو ذلك.


خامسا: تاريخ الحمامات العامة في العمارة الإسلامية:

   تعد الحمامات العامة أحد أهم مميزات المدينة والحضارة الإسلامية وهي تمثل مع المسجد الجامع والسوق وقر الحكم النواة الأساسية للمدينة. وقد انتقلت عمارة الحمامات إلى العصر الإسلامي لا لإنها مصدر حضارة وترف فقط، بل لإنها ضرورة أوجبتها فريضة التطهر والاغتسال في الإسلام على كل مسلم ومسلمة من غير تفريق، فعملت الحمامات الخاصة ملحقة بالأبنية السكنية ولا سيما القصور منذ العصر الأموي مثلما حدث في قصير عمرة (93ھ/712م)، وحمام الصرخ (107ھ/725م)، وقصر الحير الغربي (109ھ/ 727م)، وقصر خربة المفجر (127ھ/744م) ببادية الشام.

حمام  قصير عمرة
حمام  قصير عمرة


   ومن كثرة بناء الحمامات في العمارة الإسلامية والاهتمام بإنشائها ما ذكره المقريزي عن الحمامات في العصر العباسي حيث قال " وأقل ما كانت الحمامات ببغداد، في أيام الخليفة الناصر أحمد ابن المستضيء، نحو الألفي حمام"، وأما عن مصر فقد ذكر كذلك عن الحمامات في العصر الفاطمي نقلا عن المسبحي "أن العزيز/ بالله نزار بن المعز لدين الله أول من بنى الحمامات بالقاهرة".


سادسا: الحمامات في العصر الأموي:

   وبالنسبة للحمامات في العصر الأموي فقد خضعت في هذه القصور المشار إليها للتقاليد الإسلامية الجديدة حيث إن هناك فرق كبير عند مقارنتها بالحمامات الرومانية والشامية التي بنيت في عصور قبل الإسلام، وكانت عبارة – الحمامات الرومانية- عن أبنية منفصلة وقائمة بذاتها وغير ملحقة بأبنية سكنية مثلما حدث في حمامات العصر الإسلامي.

سابعا: الحمامات العامة في مصر:

   ويلاحظ أنه قد شهدت العمارة الإسلامية في مصر مولد الحمامات العامة اعتبارا من الفتح العربي عام (21ھ/ 641م) عندما أنشأ عمرو بن العاص حمام الفسطاط الذي عرف لصغره باسم حمام الفار، ثم توالى بناء هذه الحمامات العامة في مصر وغيرها من المدن العربية خلال العصور الإسلامية المبكرة، وقد كان في القاهرة في القرن (7ھ/13م) ثمانون حماما، وفي نهاية القرن (12ھ/ 18م) مائة حمام، وفي عام (1933م) كان بالقاهرة سبعة وأربعون حماما، وذلك كما ذكر المقريزي في "المواعظ والاعتبار"، ولا تزال تحتفظ القاهرة حاليا بسبعة حمامات أثرية هي على الوجه التالي:


حمام بشتاك (742ھ/ 1341م)، ويرجع للعصر المملوكي البحري، ولم يتبق منه سوى مدخله المكسو بالرخام الملون، وتشهد بقايا هذا بسمو الذوق الفني وروعة البناء.
الحمام المؤيدي (823ھ/ 1420م)، ويرجع لعصر المماليك الجراكسة (البرجية).
حمام إينال (1456م) ويرجع لعصر المماليك الجراكسة (البرجية).
حمام الملاطيلي (1194ھ/ 1780م) ويرجع إلى العصر العثماني.
حمام السكرية (ق 12ھ/18م).
حمام الطمبلي (ق 12ھ/18م).
حمام العدوي (ق 13ھ/19م).

حمام إينال
حمام إينال

حمام بشتاك
حمام بشتاك


  ويلاحظ أنه أحيانا كان يتم وقف بعض الحمامات العامة وخصوصا في العصر المملوكي على الجوامع أو الخانقاوات حتى تنتفع هذه المنشآت الأخيرة لما توفره الحمامات من دخل يعود للإنفاق عليها.

ثامنا: الحمامات في العصر المملوكي:

  وأما عن الحمامات في العصر المملوكي، فقد كان مسقط الحمام عادة يتكون من ثلاثة أقسام رئيسة أولها خارجي أو براني يشتمل على مدخل ضيق أو بسيط يفتح على دهليز (به مصطبة التابوتي المسؤول عن حفظ متعلقات المستحمين فيما كان يعرف بالتابوت أو الصندوق)، ويغطيه قبو نصف برميلي، وقد يكون به مرحاض، أو يفضي إلى دركاه صغيرة تفضي إلى ممر ينتهي إلى مسلخ عبارة عن قاعة استقبال فخمة ذات إيوانين بينهما درقاعة تتوسطها فسقية رخامية.


   وقد زودت حمامات العصر المملوكي بحنايا هذا المسلخ بحنايا لوضع الملابس والمناشق ولوازم المستحمين، أما الدركاه فقد زودت بمساطب حجرية أسفل الجدران المغشاة بالحجر أو الرخام، ومغطاة بالحصير أو السجاد، ومزودة بالمساند أو المخدات لتناول المشروبات أو تبادل الحديث – كما سبق-، وكان يتم تغطية هذا المسلخ بسقف جمالوني خشبي أو مسطح، وغالبا ما كان به بابان يفضي أحدهما إلى سطح الحمام والمستوقد، ويفض الآخر إلى بيت النورة.


   وثاني الأقسام الرئيسة التي كانت بالحمامات في العصر المملوكي كان ما عرف باسم القسم الوسطاني أو البيت الأول، وكان عبارة عن قاعة دافئة ذات حرارة معتدلة تتكون من إيوان واحد يشتمل عادة على حوضين أحدهما للماء البارد، والآ خر للماء الدافئ، وقد يزيد عليهما حوض ثالث للوضوء يسمى "أبزن"، وغالبا ما كانت تفرش أرض هذا الإيوان بالرخام الملون ويغطيه قبو نصف برميلي أو قبة بها فتحات دائرية يغشيها زجاج ملون للإضائة.


 وأما عن ثالث الأقسام الرئيسة للحمامات في العصر المملوكي وأهمها فهو ما عرف بالقسم الجواني أو بيت الحرارة، والذي كان يعبق بالبخار والعطور المتصاعدة من الصابون المطيب، وكان يتكون من أربعة إيوانات بأضلاعها الصغيرة أبواب تفضي إلى خلوات بكل منها حوض أو حوضين أرضيين، وبعض أحواض مرتفعة للتطهر والوضوء، وقد يكون في هذا القسم فسقية للماء البارد، وتحيط به أماكن للتدليك وخلوات بها مغاطس للماء الساخن، والذي يصل إلى الحمام عبر أنابيب فخارية أو رصاصية في الجدران أو تحت الأرضيات، وأما سقفه فقد يكون مسطحا تتوسطه شخشيخة خشبية، أو مقببا به فتحات دائرية معشقة بالزجاج الملون وهو ما يميز حمامات العصر المملوكي.


   وهناك ما يعرف ببيت النار أو المستوقد، والذي كان يعرف في العصر الروماني باسم (Hypocaustum)، وهو عبارة عن فرن عليه قدور من النحاس مملوئة بالماء الساخن الذي يندفع إلى داخل الحمام من خلال مواسير من الفخار أو الرصاص تحت الأرض أو داخل الجدران، وكان الماء اللازم للحمام يجلب من البئر المجاور له بواسطة ساقية خاصة به.

تاسعا: الحمامات في العصر العثماني:

   ويلاحظ أن جزء كبير من حمامات القاهرة في العصر العثماني كان يرجع إلى العصر المملوكي، وعلى الأخص الحمامات المنتشرة داخل حدود المدينة الفاطمية وفي ظواهرها المباشرة. ويتركز القسم الأكبر من حمامات القاهرة حول منطقة القصبة الممتدة بين باب زويلة وباب الفتوح وما حولها (28 حماما)، وضواحي القلعة وخارج باب زويلة على البر الشرقي للخليج (30 حماما).


  بينما يوجد في البر الغربي للخليج 17 حماما، وذلك نتيجة لكثافة السكان بها بسبب انتشار البرك والحدائق المتواضعة، وهو الأمر الذي يوضح أن القاهرة العثمانية كانت تحتل الأحياء الواقعة جنوب وغرب القاهرة الفاطمية، إضافة ‘لى حمامين في الحسنية خارج باب الفتوح، وعلى كل لم يكن ثمة تجمع سكاني بالقاهرة في القرن الثامن عشر لا يقع بالقرب منه بمسافة معقولة حمام عام. 


  وقد عد جومار من بين حمامات القاهرة خمسة وأربعين حماما رئيسا تتميز بضخامتها وفخامتها منها: حمام الدود وحمام بشتاك وحمام قيسون خارج باب زويلة، وحمام الصليبة وحمام مصطفى بيه وحمام قرميدان جنوب ميدان الرميلة إضافة إلى حمام مرجوش وحمام السبع قاعات وحمام الطنبلي وحمام الحسينية وحمام الكخيا وحمام يزبك في ظاهر القاهرة، وحمام البيسري وحمام السلطان وحمام الخراطين وحمام السكرية على امتداد قصبة القاهرة.

حمام شمبرليتاش
حمام شمبرليتاش

حمام أورجوب شيهير همامي
حمام أورجوب شيهير همامي


الخاتمة:

  وفي نهاية هذا المقال أرجو أن أكون قدمت ولو بصورة موجزة لواحدة من أهم المظاهر الحضارية المعمارية في الحضارة الإسلامية وهي " الحمامات العامة في العمارة الإسلامية"، وقد حاول هذا المقال تتبع قدر الإمكان بداية الحمامات العامة في العمارة الإسلامية، ولا سيما في مصر، وذلك منذ بداية العصر الأموي مرورا بعصر دولة المماليك والتي تعد بدولتيها البحرية والجراكسة تمثل العصر الذهبي والماسي للعمارة الإسلامية في مصر وبالطبع انعكس ذلك على عمارة الحمامات الإسلامية في مصر، ولذلك فقد اعتمدت الحمامات العثمانية في مصر على ما تركته دولة المماليك من حمامات.

المراجع:

1- المقريزي تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر، المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، تحقيق: الدكتور أيمن فؤاد سيد، المجلد الثالث، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 1416/ 1995.
2-  أيمن فؤاد سيد، القاهرة خططها وتطورها العمراني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015.
3- عاصم محمد رزق، معجم مصطلحات العمارة والفنون الإسلامية، الطبعة الأولى، مكتبة مدبولي، 2000.
4- دكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، العصر المماليكي في مصر والشام، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976.
5- مدخل إلى علم الآثار الإسلامية، إعداد نخبة من أعضاء هيئة التدريس، راجعه د. علي محمود المليجي، دار المعرفة الجامعية.


شارك الموضوع
Comments
AdSpace768x90
AdSpace768x90
AdSpace768x90