مسجد القيروان
الموقع :
يوجد هذا المسجد بمدينة القيروان الواقعة على بعد 160 كيلو متر شرق العاصمة تونس .
المنشىء وتاريخ الإنشاء :
منشىء هذا المسجد هو عقبة بن نافع .
وهو صحابى جليل ولد على عهد النبى قبل الهجرة بعام واحد.
ويمت بصلة قرابة لعمرو بن العاص من ناحية الأم فهما أبنى خاله وأبوه نافع بن عبد القيس الفهرى أحد أشراف مكه ومن أبطالها المعدودين.
موضوعات ذات صلة:
تاريخ البناء :
بدأ البناء فى مسجد القيروان فى سنة 50هـ/ 670م على يد عقبة بن نافع بعد تشييده لمدينة القيروان
ومحراب المسجد من أقدم المحاريب الإسلامية وقيل أن عقبة آتاه أتى فى المنام أرشده إلى أين يضع محرابه من المسجد وتناقل العامة هذا القول إلى الآن
وقد استمر البناء فى المسجد حتى عهد الاغالبه حكام تونس فى منتصف القرن 3هـ/9م بحيث أصبح من عمائر العصر العباسى
كما أجريت على المسجد منذ إنشائه على يد عقبه بن نافع أعمال بنائية عديدة خلال العصور المتلاحقة إلا أن هذه الأعمال والإصلاحات على كثرتها لم تؤثر على بنيان مسجد القيروان القديم الذى يطابق نظامه الآن ما أختطه عقبه بن نافع كما أن مبانيه ترسم فى الفضاء نفس الشكل الذى وضعه لها هشام بن عبد الملك فى ولاية بشر بن وصفوان (103هـ/109هـ) فالصورة التى أتخذها المسجد فى خلافته لم تتغير إلى اليوم رغم ما أدخل على بنائه من تغيرات
المسجد على عهد أمراء دمشق :
قد تناولته يد التعديل عدة مرات فى عهد أمراء بنى أميه بدمشق. حيث هدمه حسان بن النعمان وشيد مكانه بناء جديد فى الفترة من سنة 78هـ وحتى سنة 83هـ/ 693 – 697م .
وفى عام 105هـ / 724 قام بشر بن صفوان عامل الخليفة هشام بن عبد الملك على القيروان ببناء المئذنة الحالية فى الجدار الشمالى من المسجد حيث البستان الكبير الذى اشتراه من قبيلة فهر وضمه إلى الجامع كما أقام فى صحن الجامع ماجل أو خزان للمياه .
وفى سنة 155هـ/ 772م هدم يزيد بن حاتم ظله القبله أو بيت الصلاة فيماعدا المحراب الذى تركه تبركا ببناء عقبه بن نافع .
المسجد فى العصر الاغلبى :
تعرض الجامع فى عصر الاغالبه حكام تونس لعدد كبير من التجديدات التى ضبطت حدود الجامع بصورة نهائية .
ففى عهد زيادة الله بن إبراهيم (221هـ/ 836) قام بتوسعه رواق القبلة وجدد المحراب وبنى قبته .
ولما تولى إبراهيم بن أحمد بن الأغلبى زاد فى طول بلاطات الجامع وبنى قبة تعرف بقبة البهو فى نهاية بلاط المحراب المطل على الصحن .
وكان ذلك فى عام (261هـ/ 875م) وإليه ينسب منبر الجامع وقد ظل الجامع محل رعاية شاملة فى عصر الاغالبة وربما فى العصر الفاطمى كما أضاف الصنهاجيون إلى مجنبات الصحن واجهاتها حيث يوجد فى المجنبة الغربية عمود يحمل نقوشا ترجع إلى عهدهم كما يوجد بالمسجد نقوش أخرى تدل على أن المعز بن باديس أمر بعمل مقصورة ملاصقة للمحراب ويقال أنه شيد مصلى يتصل بهذه المقصورة وتم ذلك فى سنة 441هـ/ 1049م . كما أن سقف المسجد وأبواب بيت الصلاة أو ظله القبلة تنسب إلى منتصف القرن 5هـ/11م
وفى سنة 693هـ/ 1294 م بدأ يلقى الجامع عناية الحفصيين حيث أكدت الحفائر أنهم أقاموا فى صحن الجامع وحوله أفرانا لصنع الأجر وتولوا تدعيم الجامع من الخارج بأبراج ضخمة لوقف التدهور وأقاموا مصاطب عريضة تربط بينها لمقاومة رفس الأسوار التى كانت أسسها ضعيفة .
وبنوا على الواجهة الغربية أمام الأبواب مداخل بارزة ساندة غطوها بقباب مضلعة من الآجر .
والجامع كان يشتمل فى الأصل على عشرة أبواب ذكرها المقدسى فى كتابة أحسن التقاسيم ، ويعد مدخل الخليفة أبى حفص أخر ما بنى فى جامع القيروان الذى أدخلت عليه بعض التحسينات فى القرنيين 19م، 20م منها باب خشبى صنع فى سنة 1828م.
.
وبذلك تتجلى أهمية هذا المسجد وقيمته المعمارية كمصدر هام من مصادر العمارة المغربية والأندلسية التى اقتبست من عقوده وقبابه ومئذنته وكل عناصره المعمارية العديد من الأفكار المعمارية والزخرفية التى تطورت ولعبت دوراً هاماً فى العمارة والفنون الإسلامية فى شرق وغرب العالم الإسلامى .
التخطيط العام للمسجد :
يتكون المسجد من مساحة مستطيلة فى شكل غير منتظم الإضلاع إذ يبلغ طوله 126م وعرضه 77م، ويتبع فى تخطيطه طراز المساجد التقليدية من حيث اشتماله على صحن مكشوف يحيط به أربعة ظلات أكبرها ظله القبلة أو بيت الصلاة وتتكون من 17 رواق عمودية على جدار القبلة أوسطها أكبرها وأكثرها ارتفاعا وتمتد هذه الأروقة العمودية على ثمانية بلاطات عرضية أو أساكيب موازية لجدار القبلة ويتميز البلاط المقابل للمحراب بأنه أكثر اتساعا مثل الرواق العمودى على جدار القبلة .
الظلتان الجانبتيان :
تشتمل الظلتان الجانبتان فى كل منهما على رواقين أو بلاطتين تعلوهما أسقف خشبية ومستوى أرضيتها مرتفع عن مستوى أرضية الظله القبلية وعقود واجهاتها نصف دائرة ومتجاوزة
الظلة الشمالية (مؤخر الجامع) :
تقتصر الظلة الشمالية على بلاطات واحدة تليها مرافق لخدمة الجامع أهمها الميضأة القديمة التى ظلت قائمة حتى العهد الحفص إلى أن قام عبدالله الهسكورى ببناء ميضأة أخرى خارج الجامع
المحراب :
لا ينتصف المحراب جدار القبلة إذ ينحرف يساراً عن الوسط بمقدار 2.5م وبذلك فالقبلة الحالية تميل أكثر إلى الجنوب بحوالى 31 درجة عن اتجاه مكة .
والمحراب عبارة عن حنيه نصف دائرية تعلوها قبه نصف كروية من الخشب مزدانه بتوريقات نباتية بلون أصفر على أرضية زرقاء من الجص .
وينتهى رأس المحراب بعقد على شكل حدوة الفرس يرتكز على عمودين بلون أحمر برتقالى يعلوهما تاجان على الطراز البيزنطى.
ويعد هذا المحراب من أقدم المحاريب فى العمارة الإسلامية
القباب :
يشتمل جامع القيروان على ست قباب موزعه على النحو التالى :
(1) قبة المحراب وتعد أقدم قبة بنيت فى المغرب الإسلامى .
(2) قبة البهو على مدخل البلاط الأوسط من جهة الصحن وبعدها أصبح بناء قبتين فى بيوت الصلاة قاعدة شبه ثابتة فى مساجد المغرب الإسلامى
(3) قبتان تعلوان مدخل بيت الصلاة فى الشرق والغرب
(4) قبة تعلو المجنبه الغربية للمسجد
(5) قبة تتوج المئذنة.
قبتا بلاط المحراب من جهتيه القبلية والشمالية :
يتميز جامع القيروان بوجود قبتين الأولى تعرف بقبة لمحراب أقامها زيادة الله سنة 221هـ عند تقاطع الرواق أو البلاط العمودى على جدار القبلة (المجاز) مع الرواق الموازى لهذا الجدار وتعد هذه القبة من أقدم قباب العمارة فى المغرب الإسلامى ويرى د/ أحمد فكرى أنها أقيمت على غرار قبة قديمة قبل قبه زيادة الله .
أما القبة الثانية فتعرف بقبة البهو أو باب البهو وأقامها إبراهيم بن أحمد سنة 261 هـ وتقع فى نهاية البلاط الأوسط من جهة الصحن على مدخل (المجاز) أو البلاط الأوسط المركزى .
وهكذا أصبح بناء قبتين على مدخل البلاط الأوسط (المجاز) وعند تقاطعه برواق المحراب قاعدة فى معظم مساجد المغرب والأندلس.
المئذنة :
تقع المئذنة تقريبا فى منتصف الجدار الشمالى للمسجد فى أقصى الصحن المكشوف وتتكون من ثلاث طوابق مربعة
ويدور بالمئذنة من الداخل سلم حلزونى الشكل يضيق كلما ارتفع البناء وسقفه عبارة عن قبوات نصف أسطوانية
تاريخ بناء المئذنة :
يعتقد د. أحمد فكرى وآخرون أن مئذنة جامع القيروان يعود بناءها إلى عهد بشر بن صفوان عامل الخليفة الأموى هشام بن عبد لملك سنة 105هـ 724م . وأن صح ذلك فإنها تصبح أقدم المآذن الإسلامية الباقية حتى الآن دون تغير .
وإن كان هناك من يرى بأن الطابق الأول من المئذنة هو الذى يرجع إلى عهد بشر بن صفوان ثم أكملت عملية البناء بعدة مدة طويلة حيث بنى الطابقين الثانى والثالث فوق تلك القاعدة المربعة .
وعلى حال فإن أهمية هذه المئذنة تتجلى أولا فى أنها أقدم المآذن الباقية من العمارة الإسلامية الأولى، وثانيا فى أنه على الرغم من أن المآذن ذات المقطع المربع الذى يشبه أبراج بلاد الشام كانت ساندة فى العصر الأموى وانتقلت من سوريا إلى بلاد المغرب والأندلس إلا أن هذه المئذنة كأصل للمآذن المربعة هى أقدم أثر إسلامى فى المغرب ومعظم المآذن التى شيدت بعدها فى بلاد المغرب والأندلس لا تختلف عنها ألا قليلا، وبذلك اتخذت نموذجا للعديد من المآذن فى المغرب والأندلس
شكل المسجد الخارجى :
يعد جامع القيروان من أكبر المساجد فى غرب العالم الإسلامى حيث تصل مساحته نحو 9700م .
ويبدو الشكل الخارجى للمسجد كحصن أو قلعة جدرانه سميكة مدعمة بدعائم ضخمة لها وظائف عديدة منها دعم البناء وتحمل ضغط رفس العقود.
وقد كان لهذه لدعائم وظيفة دفاعية حين كانت مساجد المغرب تتخذ كحصون للدفاع ويدل على ذلك أن مسجد القيروان كان يستعمل فى بعض الأحيان كحصن يمكن الاحتماء به فى حالة
المنبر والمقصورة :
يحتوى جامع القيروان على أقدم منبر فى مساجد العالم الإسلامى مازال محتفظا به فى مكانه الأصلى ويعود إلى القرن 3هـ/9م فهو من عمل الأمير أبى إبراهيم أحمد بن الأغلب . وقد صنع فى بغداد وأرسلته الخلافة العباسية للجامع كتعبير عن تبجيل جامع عقبة وتقديراً للأسرة الأغلبية الحاكمة باسم الخلافة العباسية فى بغداد .
والمنبر مصنوع من خشب الساج وزخارفه على طراز النحت الأموى على الخشب الذى ظل ساريا فى العصر العباسى لأكثر من قرن من الزمان .
أما المقصورة فتعد من أقدم مقاصير الصلاة فى العالم الإسلامى ويعود تاريخها إلى عام 430هـ/ 1040م حيث أمر بصناعتها الأمير المعز بن باديس من سلاله زيرى .
وتقع المقصوره على يمين المنبر فى مكان غير مألوف بحيث لا يحيط كما هى العادة بالمحراب أو المنبر وهى تحفه فنيه مصنوعة من خشب الأرز المحفور وفق الأسلوبين العباسى والفاطمى وأروع ما فيها الخط الكوفى المورق الذى يزين سياجها .
وفى رأى الأستاذ مارسية بأن هذه المقصورة تسبق أعمال خراطة الخشب فى القاهرة الفاطمية بل أنها أقدم نموذج لنجارة التحف الخشبية المعروفة فى المشرق باسم المشربيات
المصادر:
- أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز(البكري) : المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب، مكتبة المثنى،, 1964م
Marçais, G., L'architecture musulmane d'Occident, Paris, 1954
- كمال عناني إسماعيل: الآثار الإسلامية في المغرب،دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر،2016م
أحمد فكرى: جامع القيروان
الصور من موقع:
Post a Comment